في تحرك دبلوماسي مفاجئ يحمل في طياته رسائل سياسية واقتصادية دقيقة، قرر الاتحاد الأوروبي تعليق فرض عقوبات وشيكة على عملاقي التكنولوجيا الأمريكيتين، أبل وميتا. هذا التأجيل الاستراتيجي يأتي في خضم أسبوع بالغ الأهمية يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز مساعيه للتوصل إلى اتفاق تجاري مُرضٍ مع الولايات المتحدة، متجنبًا بذلك أي مواجهة محتملة مع إدارة الرئيس ترامب في هذا التوقيت الحساس.
فقد كانت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد، على وشك إصدار أوامر "وقف وكف" تستهدف هاتين الشركتين العملاقتين يوم الثلاثاء الماضي، بل وأبلغت إحداهما على الأقل بهذا الموعد الوشيك، وفقًا لمصادر مُطلعة. ولم يكن مستبعدًا أيضًا أن تُفرض غرامات مالية على الشركتين.
إلا أن قرار التأجيل اتُخذ قبل وقت قصير من توجه مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروش شيفكوفيتش، إلى واشنطن للقاء مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى يوم الاثنين الماضي. وكانت هذه أول محادثات مباشرة تجري بين الجانبين منذ أن أعلن الرئيس ترامب عن هدنة لمدة 90 يومًا في بعض الرسوم الجمركية المتبادلة، كما كشف تقرير صحيفة وول ستريت جورنال.
ورغم هذا التأجيل، لا يزال من المتوقع على نطاق واسع أن تصدر المفوضية الأوروبية قراراتها الرسمية ضد الشركتين في نهاية المطاف، لكن المدة التي سيستغرقها هذا التأخير لا تزال غير واضحة المعالم.
وعندما سُئل متحدث باسم المفوضية يوم الثلاثاء عن هذه القضايا الحساسة، صرح للصحفيين بأنه لم يتم الإعلان عن أي مواعيد نهائية، لكن العمل الفني اللازم قد اكتمل بالفعل، مضيفًا بتأكيد: "نعمل حاليًا على اتخاذ القرارات النهائية على المدى القريب."
هدنة مؤقتة في ظل التوترات بين ترامب والاتحاد الأوروبي:
يمثل هذا التأجيل فترة راحة قصيرة الأمد للرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ، الذي قيل الشهر الماضي إن كبار المسؤولين التنفيذيين في شركته مارسوا ضغوطًا مكثفة على المسؤولين التجاريين الأمريكيين لمعارضة الأوامر المتوقعة من الاتحاد الأوروبي.
يُذكر أن الرئيس ترامب نفسه قد أعرب مرارًا عن استيائه من اللوائح التنظيمية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على قطاع التكنولوجيا، بل وهدد في وقت سابق من هذا العام بالرد بفرض رسوم جمركية انتقامية.
وقد دافع زوكربيرغ عن شركته الأسبوع الماضي خلال محاكمة أمام لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، وهي محاكمة قد تُجبر ميتا في نهاية المطاف على بيع أجزاء قيّمة من إمبراطوريتها التجارية، وهما منصتا إنستغرام وواتساب.
ويرى مسؤولون أوروبيون أنهم لن يُخففوا من حدة لوائحهم التنظيمية المتعلقة بشركات التكنولوجيا استجابةً للضغوط الأمريكية، لكن بعض المشرعين في البرلمان الأوروبي أعربوا عن شكوكهم حول ما إذا كانت هذه القضايا قد أصبحت ذات طابع سياسي في ظل سعي الاتحاد الأوروبي الحثيث للتفاوض على اتفاق تجاري شامل مع الولايات المتحدة.
تفاصيل المخالفات المزعومة التي تستهدف أبل وميتا:
تتعلق القضيتان المرفوعتان ضد ميتا وأبل بانتهاكات مزعومة لقانون الأسواق الرقمية (DMA) التابع للاتحاد الأوروبي، وهو قانون طموح يهدف إلى تسهيل منافسة الشركات الصغيرة مع عمالقة التكنولوجيا المهيمنين. وقد فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقات رسمية في كلا الملفين في شهر مارس من عام 2024، وأصدرت نتائج أولية في كلتا القضيتين خلال الصيف الماضي.
وتنطوي هاتان القضيتان على غرامة مالية محتملة تصل إلى 10% من الإيرادات السنوية العالمية لكل من الشركتين، على الرغم من أن مصادر مطلعة توقعت أن تكون الغرامات الفعلية أقل بكثير من هذا الحد الأقصى.
إلا أن أوامر الإيقاف والكف المتوقعة، والتي تستهدف بشكل مباشر الممارسات التجارية التي يُنظر إليها على أنها غير عادلة، من المتوقع أن يكون لها تأثير أكبر على الشركتين على المدى الطويل مقارنة بأي غرامات مالية محتملة.
ففي قضية ميتا، يدور الخلاف حول ما إذا كان ينبغي إجبار الشركة على السماح للمستخدمين باستخدام منصتي فيسبوك وإنستغرام مجانًا دون التعرض للإعلانات المخصصة، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الشركة. وقد خلص الاتحاد الأوروبي في العام الماضي إلى أن سياسة ميتا، التي تجبر المستخدمين على الاختيار بين شراء اشتراك مدفوع أو السماح للشركة باستخدام بياناتهم لعرض إعلانات موجهة، لا تتوافق مع قانون الأسواق الرقمية. وفي محاولة لتهدئة المخاوف التنظيمية، قدمت ميتا في خريف العام الماضي بديلاً يسمح للمستخدمين برؤية "إعلانات أقل تخصيصًا" دون الحاجة إلى شراء اشتراك.
أما القضية المنفصلة المرفوعة ضد أبل، فتتعلق بقواعد متجر التطبيقات الخاص بالشركة (App Store)، والتي سبق أن ذكرت المفوضية أنها تمنع مطوري التطبيقات من توجيه المستخدمين بحرية إلى طرق بديلة لإجراء عمليات الشراء خارج المتجر الرسمي. وترى المفوضية الأوروبية أن أبل تُقيد بشكل غير مبرر طريقة تواصل المطورين مع المستخدمين وتفرض رسومًا على تسهيل المعاملات التي تتم خارج متجر التطبيقات بشكل يتجاوز ما هو ضروري.
يُذكر أنه في الشهر الماضي، وافقت لجنة من ممثلي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على خطة لإلزام الشركتين بالامتثال الكامل لقانون الأسواق الرقمية. وكان من المقرر أن تجتمع اللجنة مرة أخرى يوم الاثنين الماضي للموافقة على فرض الغرامات، لكن هذا الاجتماع تم تأجيله في اللحظات الأخيرة، وفقًا لما أورده تقرير الصحيفة نقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر.
تابع موقعنا tech1new.com انضم إلى صفحتنا على فيسبوك و متابعتنا على منصة إكس (تويتر سابقاً) ، أو أضف tech1new.com إلى موجز أخبار Google الخاص بك للحصول على تحديثات إخبارية فورية ومراجعات وشروحات تقنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق