في فصل جديد من حرب الرقائق المعقدة، تجد شركة إنفيديا نفسها عالقة في معضلة جيوسياسية، فبعد أن حصلت على ضوء أخضر من واشنطن لاستئناف تصدير وحدات المعالجة العامة H20 المصممة خصيصًا للسوق الصيني، واجهت عقبة جديدة وغير متوقعة من بكين التي أبدت هواجسها المتعلقة بالأمن القومي، فارضةً تدقيقًا مشددًا على هذه الشحنات.
التنين الصيني يفرض شروطه
وفقًا لبيان صادر عن إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية (CAC)، اجتمع مسؤولون من "إنفيديا" مع نظرائهم في بكين يوم الخميس، لمناقشة هذه المخاوف الأمنية. وطالبت السلطات الصينية الشركة بتقديم توضيحات ووثائق داعمة حول المخاطر الأمنية المحتملة المرتبطة برقائق H20، بما في ذلك "الثغرات الأمنية المحتملة والأبواب الخلفية (Backdoors)".
وفي منشور رسمي، أشارت الهيئة التنظيمية الصينية إلى أنه قد تم الإبلاغ عن احتواء رقائق الذكاء الاصطناعي من "إنفيديا" على "ثغرات أمنية خطيرة"، مستشهدة بتقرير لشبكة "سي إن بي سي". والأهم من ذلك، استندت الهيئة إلى دعوات من مشرعين أمريكيين لإدراج ميزات تتبع إلزامية على صادرات الرقائق المتقدمة، مضيفةً أن خبراء ذكاء اصطناعي أمريكيين كشفوا بالفعل أن شرائح إنفيديا تتمتع بتقنيات ناضجة في "التتبع وتحديد المواقع" و"الإغلاق عن بعد".
انقسام في واشنطن حول سياسة الرقائق
تأتي هذه المخاوف الصينية في وقت تشهد فيه واشنطن نفسها انقسامًا حادًا. ففي مايو الماضي، قدم السيناتور الجمهوري توم كوتون ومجموعة من النواب من الحزبين، مشروع قانون "أمن الرقائق الأمريكي"، الذي يهدف إلى إلزام شركات مثل "إنفيديا" بتضمين آليات أمنية وتقنيات للتحقق من الموقع في رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة المصدرة.
وقد أكد النائب الديمقراطي بيل فوستر وخبراء تقنيون مستقلون في مايو، أن تقنية تتبع الرقائق متاحة بسهولة وأن جزءًا كبيرًا منها مُدمج بالفعل في رقائق "إنفيديا"، مما يمنح المخاوف الصينية أساسًا من وجهة نظرها. وفي الأسابيع الأخيرة، عارض العديد من المشرعين الأمريكيين أيضًا قرار رفع القيود عن رقائق H20، محذرين من أنها ستعزز قدرات بكين العسكرية والتقنية في مجال الذكاء الاصطناعي.
مناورات هوانغ بين السياسة والمال
يمثل هذا التدقيق المتزايد من بكين تحديًا جيوسياسيًا آخر للرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، الذي يسير على حبل مشدود بين سياسات واشنطن ورغبته في الحفاظ على وجود شركته في السوق الصينية المربحة. وكان هوانغ قد أعلن عن الاستئناف المتوقع لمبيعات شرائح H20 خلال زيارته الأخيرة لبكين، وهي زيارة لافتة جاءت بعد وقت قصير من لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتوضح الأرقام حجم المخاطر المالية؛ فقد شطبت "إنفيديا" من دفاترها ما قيمته 4.5 مليار دولار من مخزون شرائح H20 غير المباعة في مايو، وصرحت بأن مبيعاتها في الربع المالي الأخير كانت سترتفع بمقدار 2.5 مليار دولار لولا قيود التصدير. وفي دلالة على عزمها المضي قدمًا، أفادت التقارير هذا الأسبوع أن "إنفيديا" طلبت تصنيع 300 ألف شريحة H20 من شريكتها "TSMC"، في محاولة لتلبية الطلب الصيني المتوقع.
وهكذا، بينما تكون "إنفيديا" قد تجاوزت عقبة في واشنطن، فإنها تواجه الآن اختبارًا جديدًا ومعقدًا في بكين، مما يثبت أن الطريق إلى السوق الصيني محفوف بالمخاطر السياسية التي لم تنته فصولها بعد.
تابع موقعنا tech1new.com انضم إلى صفحتنا على فيسبوك و متابعتنا على منصة إكس (تويتر سابقاً) ، للحصول على تحديثات إخبارية فورية ومراجعات وشروحات تقنية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق