في تحول نوعي نحو فهم أعمق لمحفزات النشاط البدني، استعان باحثون من جامعة ميسيسيبي بقوة الذكاء الاصطناعي لكشف النقاب عن أبرز العوامل التي تدفع الأفراد إلى تبني نمط حياة نشط. عبر تحليل بيانات شاملة لما يقارب 12 ألف شخص، توصلت الدراسة إلى ثلاثية مؤثرة تقف في صدارة محددات الالتزام بالتمارين الرياضية: ساعات الجلوس اليومية، المستوى التعليمي للفرد، وجنسه.
لقد تجاوز الباحثون الأساليب التقليدية في تحليل البيانات، مُسخرين نماذج ذكاء اصطناعي مُدربة بعناية على خليط من معلومات نمط الحياة، والخصائص الديموغرافية، والسجلات الصحية للمشاركين. هذه التقنية المتطورة مكنتهم من تحقيق نتائج تتسم بدقة ومرونة فائقتين، مما يفتح آفاقاً واعدة نحو صياغة توصيات صحية شخصية تأخذ في الحسبان التباينات الفردية واحتياجات كل شخص على حدة.
وتأتي هذه الدراسة في سياق يشير إلى فجوة مقلقة بين التوصيات الصحية وأسلوب حياة الأفراد. فبينما تشدد جهات مثل مركز الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة التابع لوزارة الصحة الأمريكية على أهمية ممارسة 150 دقيقة على الأقل من التمارين المعتدلة أو 75 دقيقة من التمارين الشديدة أسبوعيًا، تكشف الإحصائيات أن المواطن الأمريكي العادي لا يخصص سوى ساعتين أسبوعيًا للنشاط البدني، أي نصف الحد الأدنى الموصى به.
هذا الواقع يؤكد أن الحفاظ على روتين رياضي منتظم يمثل تحدياً عالمياً. وللتغلب على هذا التحدي وفهم الدوافع الخفية التي تميز الأشخاص الأكثر التزاماً بالرياضة، قرر فريق بحثي من جامعة ميسيسيبي استثمار قدرات الذكاء الاصطناعي في تحليل معمق للبيانات واستخلاص العوامل الجوهرية التي تعزز هذا الالتزام.
ضم الفريق الباحثين الطموحين Seungbak Lee و Ju-Pil Choe، وهما طالبان في مرحلة الدكتوراه متخصصان في التربية البدنية، بالإضافة إلى الأستاذ القدير Minsoo Kang من قسم علوم الرياضة والصحة. وقد وجهوا جهودهم البحثية نحو تحليل دقيق للبيانات المتعلقة بقياسات الجسم، والمتغيرات الديموغرافية، وأنماط الحياة اليومية، بهدف التوصل إلى نموذج تنبؤي دقيق لمدى التزام الأفراد بالتوصيات الصحية المتعلقة بالنشاط البدني.
وقد استند الباحثون في تحليلهم إلى قاعدة بيانات ضخمة مستمدة من حوالي 30 ألف استبيان تم جمعها ضمن إطار المسح الوطني الأمريكي لفحص الصحة والتغذية (National Health and Nutrition Examination Survey) خلال الفترة الممتدة من عام 2009 إلى عام 2018. ولمعالجة هذا الكم الهائل من المعلومات المعقدة، لجأ الفريق إلى نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي قادرة على استكشاف الأنماط الكامنة في البيانات وتقديم توقعات تتميز بدقة عالية.
وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة الرائدة في مجلة مرموقة هي Scientific Reports، وشمل التحليل دراسة متعمقة لعدة متغيرات متنوعة، بما في ذلك:
* العوامل الديموغرافية: كالعمر، والجنس، والعرق، والمستوى التعليمي، والحالة الاجتماعية، ومستوى الدخل.
* القياسات البدنية: مثل مؤشر كتلة الجسم (BMI)، ومحيط الخصر.
* عوامل نمط الحياة: كالتدخين، وعدد ساعات النوم اليومية، وطبيعة ظروف العمل.
وقد كشفت نماذج الذكاء الاصطناعي التي قام الباحثون بتدريبها واختبارها عن ثلاثة عوامل رئيسية تبرز بقوة في تأثيرها على مدى التزام الأفراد بممارسة التمارين الرياضية، وهي: إجمالي عدد ساعات الجلوس في اليوم، والجنس البيولوجي للفرد، ومستواه التعليمي. وقد أعرب الباحث Ju-Pil Choe عن دهشته بشكل خاص من التأثير القوي للمستوى التعليمي مقارنة بمتغيرات أخرى كان يُعتقد تقليدياً أنها ذات تأثير كبير، مثل مؤشر كتلة الجسم أو العمر.
ولضمان أعلى مستويات الدقة في التحليل، قام الباحثون باستبعاد بيانات المشاركين الذين يعانون من أمراض مزمنة معروفة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين لم يقدموا معلومات كافية وموثوقة حول أنشطتهم البدنية، مما أدى إلى تكوين عينة نهائية للدراسة شملت 11,683 شخصًا.
وأشار الباحثون إلى أن استخدام تقنيات التعلم الآلي قد وفر لهم مرونة تحليلية لم تكن متاحة في النماذج الإحصائية التقليدية، والتي غالباً ما تفترض وجود علاقات خطية بسيطة بين المتغيرات. هذه المرونة مكنتهم من الكشف عن أنماط أكثر تعقيداً ودقة في العلاقة بين العوامل المختلفة والالتزام بالتمارين الرياضية.
ويتطلع الفريق البحثي إلى المستقبل بخطوات واثقة، حيث يخطط لتوسيع آفاق البحث من خلال تضمين مجموعة أوسع من العوامل المؤثرة، مثل استخدام المكملات الغذائية وأنواعها، بالإضافة إلى استكشاف وتطبيق خوارزميات تعلم آلي أكثر تقدماً وتعقيداً.
ويحدو الباحثون أمل كبير في أن تساهم النتائج التي توصلوا إليها في تزويد المدربين وخبراء الصحة بأدوات أكثر فعالية لتصميم برامج لياقة بدنية شخصية تراعي الاحتياجات الفريدة لكل مستخدم، وبالتالي تعزيز قدرتهم على الالتزام بممارسة التمارين الرياضية وتحقيق أهدافهم الصحية.
تابع موقعنا tech1new.com انضم إلى صفحتنا على فيسبوك و متابعتنا على منصة إكس (تويتر سابقاً) ، أو أضف tech1new.com إلى موجز أخبار Google الخاص بك للحصول على تحديثات إخبارية فورية ومراجعات وشروحات تقنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق