في ظل التطور المتسارع لآفاق الذكاء الاصطناعي، يبرز وجه مظلم لهذه الثورة التكنولوجية في صورة تهديدات سيبرانية أكثر دهاءً وتخفيًا، مما يعقّد مهمة اكتشافها وإحباطها. ومن بين أخطر هذه الأساليب الاحتيالية المستجدة، يتربع "الاحتيال الصوتي بالذكاء الاصطناعي" على رأس قائمة المخاطر، مستغلًا قدرات استنساخ الأصوات والتزييف العميق لتنفيذ عمليات خداع يصعب للغاية كشف زيفها.
"الاحتيال الصوتي الذكي": سلاح جديد في يد المحتالين
يمثل الاحتيال الصوتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي (AI Vishing) قفزة نوعية في أساليب الاحتيال الهاتفي التقليدية. فبدلًا من الاعتماد على الحيل اللغوية وحدها، يسخر المحتالون قوة الذكاء الاصطناعي لتقليد أصوات شخصيات موثوقة، سواء كانوا موظفين في مؤسسات مالية أو حتى أفرادًا من دائرة المقربين، بهدف تضليل الضحايا ودفعهم نحو اتخاذ قرارات مالية متهورة أو الكشف عن بيانات حساسة.
وما يضفي خطورة مضاعفة على هذا النوع من الاحتيال هو القدرة على تنفيذ آلاف المكالمات الآلية بدقة وسرعة فائقة، باستخدام أصوات مصطنعة تحاكي بدقة متناهية نبرة ولهجة الشخص المستهدف.
وقائع مُرّة تكشف عن حجم التهديد المتنامي
لم يعد الاحتيال الصوتي بالذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم نظري، بل تحول إلى واقع مُعاش يستهدف الأفراد والشركات على حد سواء. وقد أثبت هذا الأسلوب الاحتيالي فعاليته الملحوظة، حيث شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا في نسبة الأفراد الذين فقدوا أموالهم نتيجة للاحتيال الصوتي إلى 23% بين عامي 2023 و 2024.
وتتضح خطورة هذه التقنية من خلال بعض الحالات الواقعية البارزة:
* انتحال صوت وزير إيطالي: في مطلع عام 2025، استغل محتالون تقنيات الذكاء الاصطناعي لانتحال صوت وزير الدفاع الإيطالي، وتمكنوا من خداع رجال أعمال بارزين. ومن بين الضحايا ماسيمو موراتي، المالك السابق لنادي إنتر ميلان، قبل أن تنجح الشرطة لاحقًا في استعادة الأموال المسروقة.
* استهداف قطاع السياحة: أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى تصاعد ملحوظ في هجمات الاحتيال الصوتي التي استهدفت قطاع السياحة والسفر خلال الربع الأخير من عام 2024. حيث تظاهر المحتالون بأنهم وكلاء سفر أو مسؤولون تنفيذيون، وتمكنوا من إقناع موظفي الفنادق بتسليم بيانات حساسة أو منحهم صلاحيات غير مصرح بها.
* انتحال أصوات أفراد العائلة: في عام 2023، لجأ العديد من المحتالين إلى تقليد أصوات أفراد العائلات، خاصة كبار السن، مدعين أنهم أحد الأحفاد أو الآباء ويطلبون تحويل مبالغ مالية عاجلة. وقد نجحوا في سرقة ما يقارب 200 ألف دولار من عدة عائلات، وذلك بفضل التطابق الصوتي الذي جعل اكتشاف الخدعة شبه مستحيل.
"الاحتيال الصوتي كخدمة": تسهيل الجريمة الإلكترونية
برز مفهوم جديد يُنذر بخطر متزايد، وهو "الاحتيال الصوتي كخدمة" (Vishing-as-a-Service). يشير هذا المصطلح إلى توفر خدمات تمكن المحتالين من الاشتراك في منصات توفر لهم تقنيات متقدمة لتنفيذ عمليات الاحتيال الصوتي بسهولة، وتشمل هذه التقنيات:
* تقليد أصوات بشرية قابلة للتخصيص بشكل دقيق.
* تصميم سيناريوهات احتيالية مُحكمة ومخصصة للضحايا.
* انتحال أرقام هواتف المتصلين وإضافة مؤثرات صوتية واقعية لمحاكاة مراكز الاتصال.
تُعد شركة PlugValley من أبرز المزودين لهذه الخدمات، وقد رصد خبراء الأمن أنشطتها للكشف عن مدى تطور هذه الهجمات الآلية وسهولة تنفيذها من خلال اشتراكات شهرية بسيطة.
فالروبوت الاحتيالي الصوتي الذي تطوره PlugValley يتيح للمهاجمين استخدام أصوات واقعية قابلة للتعديل لخداع الضحايا، والتفاعل معهم بشكل آني، وتقليد أنماط الكلام البشري، وانتحال أرقام الهواتف، وحتى إضافة ضوضاء خلفية تحاكي أصوات مراكز الاتصال.
تساهم هذه الخدمات في جعل الهجمات أكثر إقناعًا، مما يسهل سرقة البيانات البنكية وكلمات المرور المؤقتة (OTP)، كما أنها تزيل الحواجز التقنية أمام مجرمي الإنترنت، وتوفر لهم أدوات احتيالية متطورة وسهلة الاستخدام مقابل اشتراكات شهرية زهيدة.
كيف نحمي أنفسنا من براثن هذا الاحتيال المتطور؟
لمواجهة هذا التهديد المتنامي، يمكن للمؤسسات والأفراد تبني مجموعة من الإجراءات الوقائية:
نصائح للمؤسسات:
* تزويد الموظفين ببرامج تدريبية شاملة حول كيفية التحقق من هوية المتصلين وتوعيتهم بمخاطر تقديم معلومات سرية عبر الهاتف دون التأكد من هوية الطرف الآخر.
* تعزيز أنظمة كشف الاحتيال الحالية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنماط الصوتية المشبوهة.
* مواكبة أحدث أساليب الاحتيال لتمكين فرق الأمن من التصدي لها بفعالية.
نصائح للأفراد:
* الحذر الشديد وعدم الوثوق بأي مكالمة هاتفية غير متوقعة يطلب فيها المتصل معلومات شخصية أو مالية حساسة.
* الاتفاق مع أفراد العائلة على استخدام "كلمة سر" للتحقق من هوية المتصل في حالات الطوارئ المشبوهة.
* المبادرة بإبلاغ السلطات المختصة فورًا عن أي محاولة احتيالية أو مكالمة هاتفية تبدو مشبوهة.
تابع موقعنا tech1new.com انضم إلى صفحتنا على فيسبوك و متابعتنا على منصة إكس (تويتر سابقاً) ، أو أضف tech1new.com إلى موجز أخبار Google الخاص بك للحصول على تحديثات إخبارية فورية ومراجعات وشروحات تقنية

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق